Partager sur :

من خطاب العرش إلى دروب أيت بوكماز : حين تتحرك الهشاشة على الأقدام

ازبيطو العربي السليماني - في خطاب العرش لسنة 2025، قدّم الملك محمد السادس تشخيصًا واضحًا لحالة الهشاشة القروية بالمغرب، واضعًا إصبعه على مواطن الخلل العميقة، من ضعف البنية التحتية إلى التفاوتات الاجتماعية والمجالية. لم يكن الخطاب مجرد عرض سنوي للمكاسب، بل لحظة مكاشفة جريئة تستوقف كل الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين أمام سؤال محوري: ماذا تحقق فعلاً في العالم القروي؟ وأين تتعثر التنمية؟

في موازاة هذا الخطاب، خرجت قرى أيت بوكماز، الواقعة بين جبال الأطلس الكبير، في رحلة مشي جماعية تطالب بما يمكن اعتباره "الحد الأدنى من الحياة الكريمة": طبيب قار، سيارة إسعاف، طرقات معبدة، إنترنت، ملعب للأطفال، ومركز تكوين للشباب. كانت المسيرة فعلًا جماعيًا حضاريًا، بعيدًا عن الشعارات السياسية الجوفاء، أقرب إلى تعبير جسدي مباشر عن هشاشة تُعاش كل يوم.

 حين تتقاطع الرمزية الملكية مع المبادرة الشعبية

في كلا الحالتين، هناك وعيٌ جديد يتشكل: وعي الدولة بضرورة الإنصات الصريح للهامش، ووعي السكان بقدرتهم على التعبير عن ذواتهم ومطالبهم بشكل منظم وسلمي. ما قام به الملك من جهة، وما عبر عنه سكان أيت بوكماز من جهة أخرى، ليسا حدثين منفصلين؛ بل وجهان لمرحلة جديدة من العلاقة بين الدولة والمجال القروي.

الخطاب الملكي حمّل ضمنيًا المسؤولية للجهات والمؤسسات الترابية، حين تحدث عن "الحاجة إلى إصلاحات بنيوية"، و"إجراءات ملموسة"، وليس فقط برامج ظرفية أو تدخلات موسمية. وهو ما يعكس تحولًا في النظرة الرسمية للعالم القروي: من فضاء للتدخل الاجتماعي إلى فضاء للإنتاج السياسي والاقتصادي.

أما أيت بوكماز، فقد جسدت هذا التحول عبر مبادرة مجتمعية تلامس الواقع بعمق. لم يخرج سكانها للاحتجاج فقط، بل خرجوا حاملين تصورات واضحة ومطالب دقيقة، وهو ما يجعل هذه الخطوة أكثر من احتجاج... إنها مبادرة تشخيص ميداني تشاركي، يمكن أن تُعتمد كنموذج للتفاعل المحلي.

 من الرمزية إلى التفعيل: من يمسك بالخيط؟

الرابط بين الخطاب والمسيرة ليس فقط أدبيًا أو عاطفيًا. إنه رابط وظيفي واستراتيجي. الخطاب الملكي رسم خارطة طريق؛ ومسيرة أيت بوكماز قدّمت بوصلة ميدانية. هنا تبرز الحاجة إلى من يمسك بهذا الخيط ويحوّله إلى مسار عمل.

على السلطات الوطنية ألا تكتفي بالاستماع للمطالب، بل تضعها في صلب برامجها.

على المنتخبين الجهويين والمحليين أن يدركوا أن الانتظارات المجالية تغيّرت: الناس لم تعد تطلب فقط، بل تقترح وتراقب.

وعلى الإعلام والمجتمع المدني أن يُخرجا مبادرات مثل هذه من الهامش، ويجعلانها أداة ضغط إيجابي، ومصدرًا للأفكار التنموية.

 خلاصة القول حين تتحدث الدولة ويتحرك المواطن

خطاب العرش هذا العام ليس مجرد توجيه فوقي، بل دعوة إلى شراكة حقيقية. ومسيرة أيت بوكماز ليست مجرد احتجاج، بل نموذج عملي للتجاوب من الأسفل. ما بين التوجيه الملكي والخطو القروي، يمكن للمغرب أن يؤسس لنموذج تنموي قروي تشاركي جديد، يجعل من الهامش مركزًا، ومن المواطن شريكًا، لا فقط مستفيدًا.

Arabe
Partager sur :