Partager sur :

النظام العسكري في الجزائر والأساطير المؤسسة بقلم الحسن.أ.د

كان الحراك السلمي في الجزائر الذي اندلع 2019 قادرا بشكل كبير إن لم يكن بالإطاحة بالعصابة ( حسب تعبير الحراك) و لاكن على الأقل أن يتم تغيير معالم النظام الجزائري، القائم على تحالف النخبة السياسية الفاسدة مع جنرالات العسكر، ما أكده كزافييه دريانكور، السفير الفرنسي السابق بالجمهورية الجزائرية، حيث وصف النظام الجزائري أنه نضام عسكري متوحش بواجهة مدنية فاسدة، هذه الطغمة الحاكمة التي تحاول السيطرة على القرارات السياسية والموارد والثروات تحت إشراف وتوجيهات من المستعمر السابق فرنسا، التي بدورها تريد بأي ثمن أن تحافظ على مصالحها الحيوية في الجزائر وشمال إفريقيا ودول الساحل، ولولا الأحداث والمتغيرات الوطنية والعالمية التي طرأت بعد ذلك منها جائحة كورونا و الحرب الروسية الأوكرانية والتي كانت بمثابة طوق نجاة للنظام لكان وضع الجار الشقيق اليوم مختلفا تماما، هذا الحراك الذي شهد له العالم أجمع بسلميته وبمنسوب الوعي الحضاري الذي تمكن من خلاله منظموه من تسييره وإدارته، رغم الاضطهاد والاغتيالات والمتابعات القضائية التي تعرض لها بعض النشطاء في الحراك والتي مازالت مستمرة إلى يومنا هذا، في مسلسل تصفية ممنهج ومتواصل  للإجهاض المبكر لكل محاولة لإعادة أحيائه، مع العلم أن بعض الخبراء والمتابعين و المعارضين يؤكدون أن الوضع اليوم أسوأ مما كان عليه في عهد بوتفليقة قبل بداية الحراك، سواء اقتصاديا أو سياسيا أو اجتماعيا، أو وضعها السياسي دوليا بعد حرب أوكرانيا.

كان الحراك فرصة تاريخية لتغيير حالة الجزائر والخروج من النفق المظلم، نضرا لزخمه ووقعه وتأثيره على الساحة الوطنية، فقد كان عليه إجماع من الطبقة المناضلة الوطنية والمثقفين وغالبية الشعب الذي كان يرفض العهدة الخامسة لبوتفليقة، لاكن النظام العسكري تمكن من تجاوزه وأعاد استنساخ نفسه بتغيير أسماء الضباط الذين يحكمون ورتبهم فقط، وكلما أزداد تأزم وضع النظام وورطته إلا ازداد شراسة ضد شعبه وازدادت عداوته للمغرب، فغالبية الأنظمة الشمولية والديكتاتورية الفاسدة تحاول ضمان بقائها من خلال الدعاية لعنصرين هما الأسطورة المؤسسة و العدو الخارجي.

  1. الأسطورة المؤسسة: يمكن أن نسمي أي رواية أو قصة تؤسس عليها إيديولوجية معينة الهدف منها هو السيطرة على عقول الشعوب ومشاعرها وأدلجتها بالأسطورة، حتى ولو كانت منطلقات هذه الأسطورة مبنية على أحداث حقيقية وواقعية لاكن يتم التلاعب بها وتضخيمها، هي في الحالة الجزائرية المعاصرة مركبة من عدة عناصر أهمها الثورة ودماء الشهداء، حيث تحولت أحداث الثورة وضحايا الاستعمار الفرنسي إلى نوع من ريع الذاكرة، حاول العسكر من خلاله إضفاء الشرعية لبقائهم في السلطة، على اساس أن الجيش الجزائري هو سليل جيش التحرير المجاهد، وأنهم يواصلون مسيرة الكفاح باسم الشهداء، ولا تخلو هذه الرواية من دعاية إعلامية  صرفت عليها ميزانيات ضخمة، لا تترك أي مناسبة للعزف على هذا الوتر، ولا تكف على التضخيم من المعطيات والأرقام حتى وصل عدد الشهداء في بعض التصريحات إلى 5 ملايين ثم 11 مليون في بعض الأرقام، والعمل على خلق قومية أو وطنية زائفة مبنية على فكرة التفوق والإحساس بالعلوية على اعتبار أن العنصر الجزائري يملك مقومات الريادة بما يحمله من قيم الرجولة والشهامة والدفاع عن المبادئ النبيلة كالحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولا زال حكام الجزائر يحاولون العزف على القضية الفلسطينية وتوظيفها في الدعاية الكاذبة، مع العمل على تخوين الشعوب العربية الأخرى خصوصا المغرب، والتنقيص من دورها في الدفاع عن فلسطين، و محاولة ممنهجة لتزييف التاريخ وتقديم روايات وقراءات للتاريخ لا تخلو من مغالطات وتأويلات خاطئة للتغطية عن أزمة الهوية الجزائرية التي لم تحدد بعد معالمها ومكوناتها، كما قال كثير من الكتاب والباحثين المرموقين حتى الجزائريين منهم مثل المفكر الكبير محمد أركون.

2 العدو الخارجي : تعتبر فكرة العدو الخارجي من أكثر الأسس التي تعتمد عليها الأنظمة الشمولية العسكرية والإستخباراتيه للبقاء في السلطة خلال العصر الحديث، ولدينا نماذج كثيرة مثل كوريا الشمالية وإيران، في الجزائر يمكن اعتبار هذه الفكرة محورية في الدعاية للنظام، وخلق فزاعة التهديد الخارجي لأجل إجهاض أي محاولة لتغيير الوضع ومحاسبة الفساد وبناء دولة مدنية ديمقراطية كما يطالب الحراك، ولازالت الدعاية للتهديد الخارجي والمؤامرة أهم عناصر لتصدير الأزمات الداخلية، وإلهاء الشعب الجزائري عن قضاياه المصيرية كالاقتصاد والتنمية والعدالة الاجتماعية وبناء دولة ديمقراطية مدنية تقوم على ثقافة المؤسسات ودولة القانون.

إن الدول التي تؤسس وتبنى داخل القواعد العسكرية، يصعب أو يستحيل أن تتحول إلى دول ديمقراطية حديثة في المدى المتوسط، فجزائر ما بعد الاستقلال ( أو ما أسميه بالحكم الذاتي تحت أشراف فرنسا) التي أسسها الهواري بومدين الذي وصل إلى السلطة على ظهر الدبابات وفوهات المدافع، وبعد انقلاب وتصفية للمجاهدين الحقيقيين، وليس عن طريق الانتخابات أو الشورى أو البيعة، هذه الجزائر التي فقدت اليوم كل معالم الدولة الديمقراطية الحديثة التي تتخذ قراراتها وتبني سياستها على أساس مصالح شعبها وعلاقات حسن الجوار الأخوية مع جيرانها، وليس سياسات رد الفعل ذات الطابع المزاجي البعيدة على أبسط أسس والمبادئ السياسية الحديثة،  بل وخرجت حتى من المنطقة الرمادية أو ما يسمى بالدول الهجينة، وهي اليوم تتجه نحو نظام شمولي عسكري استخباراتي يزداد شراسة وغوغائية يوما بعد يوم، وكلما ضاق عليه الخناق من خلال المطالب الاجتماعية لشعب فقير يصارع يوميا من أجل الحصول على علبة حليب أو زيت، وهو الذي يعيش فوق محيط من البترول والغاز والخيرات والموارد الطبيعية.  

 

Arabe
Partager sur :