Partager sur :

الفن والهوية: كيف تخلد أغاني حبيب سلام الذاكرة الأمازيغية

في إطار...أغاني "النوستالجيا" في تجربة الفنان حبيب سلام تمثل نموذجًا متطورًا يجمع بين استرجاع التراث وتعزيز الهوية الثقافية الأمازيغية. هذا الطابع يتجلى من خلال تسليط الضوء على القيم الأصيلة والجوانب المجتمعية الراسخة، حيث تبرز أعمال مثل "تالعاربات ن الطالب" و"تاسليت ن أونزار" كأغانٍي تراثية تمزج بين الأصالة والحداثة لتسهم في حماية واستدامة الثقافة الأمازيغية. تتسم هذه الأغاني بقدرتها على استحضار ذاكرة الطفولة وتسليط الضوء على العلاقات الوثيقة بين الفن والهوية الجماعية. أغنية "تالعاربات ن الطالب" تعد بمثابة وثيقة فنية تستعرض تقليد "تالعاربات"، وهو طقس اجتماعي تربوي يتمثل في تقديم هدايا رمزية للمعلمين أو الفقهاء كتعبير عن الاحترام والتقدير. هذا الطقس يبرز القيم الأخلاقية والاجتماعية التي تنبثق من الثقافة الأمازيغية، مشكِّلًا مرآة للروابط الاجتماعية العميقة. من جهة أخرى، تسلط أغنية "تاسليت ن أونزار" الضوء على حياة الطفولة في ظل الحياة الزراعية ضمن الحضارة الأمازيغية، وتنقل من خلالها مشاعر الحنين إلى بساطة العيش وقيم التعاون الجماعي، حيث يظهر مفهوم "تيوزي" بوصفه عنصرًا محوريًا يعيش في صلب الثقافة الأمازيغية، معبرًا عن مبادئ التعايش والتكاتف. يتجاوز مفهوم "تيوزي" مجرد كونه لفظًا ليشكّل منظومة قيم وأعراف تساهم في تعزيز العلاقات الاجتماعية ضمن المجتمع الأمازيغي. فهو يشمل أنماطًا متعددة من التعاون، بدءًا من الأنشطة الزراعية المشتركة ومرورًا بالمناسبات الاجتماعية، وصولًا إلى التكاتف في مواجهة التحديات والأزمات. تلك القيم تدعم بناء مجتمع متماسك ومترابط يقوم على مسؤولية جماعية، مما يجعل منه مصدر قوة ووسيلة لمواجهة محاولات طمس الهوية الأمازيغية من قبل تيارات مناوئة. لذا، تعكس الممارسات الاجتماعية أهمية هذا المفهوم بوصفه القلب النابض للتراث والتقاليد. على الصعيد الفني، تميّزت إنتاجات حبيب سلام الموسيقية بدمجها بين الأنغام التقليدية الأمازيغية والأساليب الموسيقية المعاصرة. هذه الرؤية الإبداعية جعلت من أعماله جسرًا يربط بين الأجيال المختلفة، مؤكدًا دور الفن في الحفاظ على التراث وجعله جزءًا فاعلًا ومؤثرًا في عالم متحوِّل. كما نجح سلام في الارتقاء بأغاني الطفولة، البسيطة ذات الإيقاعات التقليدية المتكررة، لتصبح أشكالًا موسيقية أكثر تعقيدًا ومتنوعة، متناسبة مع المنصات الموسيقية العالمية. هذا التحوّل ساهم في تطوير الذوق الموسيقي وجذب جمهور أوسع يشمل الأطفال والبالغين على حد سواء. إضافة إلى ذلك، فإن إشراك الأطفال والمجتمع في أداء هذه الأغاني يعكس الطبيعة الجماعية للثقافة الأمازيغية ويسلط الضوء على قيم التلاحم والتشارك. تصبح هذه الأغاني بالتالي أداة فعالة لتعزيز الهوية الثقافية من خلال تعبير فني عاطفي ومعبر، يعمل على ترسيخ الشراكة الثقافية بين الأجيال. إن أعمال حبيب سلام لا تقتصر على كونها موسيقى فحسب، بل تمثل مبادرات معرفية واجتماعية تهدف إلى إبراز أهمية التراث كجزء لا يتجزأ من الهوية. إنها دعوة مفتوحة للاحتفاء بهذه الهوية في إطار فني متجدد قادر على مواجهة تحديات العولمة والثقافات السريعة التغير. بهذا الإطار، يقدّم حبيب سلام رؤية قوية لدور الفن في صيانة الذاكرة الثقافية الجماعية وتجديدها ضمن عالم رقمي واجتماعي دائم التحول، مشكلاً بذلك رسالة ثقافية عميقة ومؤثرة عبر الزمن في مواجهة التحول الرقمي.
بقلم: احمد ليديب

Langue
Arabe
Région
Souss - Massa
Guelmim - Oued Noun
Partager sur :