في هذا الحوار الحصري الذي أجرته جريدة ماكلور الدولية مع الدكتور عبد الحي السملالي، الباحث والمختص في الشأن الديني في أوروبا، نناقش أبرز القضايا والتحديات التي تواجه الجاليات المسلمة في القارة الأوروبية. مع تزايد ظاهرة الإسلاموفوبيا وظهور قوانين جديدة تُعنى بتنظيم الحياة الدينية، تعيش الجاليات المسلمة مرحلة دقيقة من التأقلم مع محيطها مع الحفاظ على هويتها الدينية والثقافية.
في هذا السياق، يتناول الدكتور السملالي دور المؤسسات الدينية، مثل المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، ويطرح رؤيته لإصلاح هذه الهيئات لضمان تمثيل فعّال للجاليات المسلمة في أوروبا. كما يقدم تحليلاً معمقاً لمستقبل الشأن الديني في فرنسا، مع التركيز على كيفية تحقيق التوازن بين متطلبات الاندماج والحفاظ على الهوية الإسلامية في ظل القوانين والتحديات الراهنة.
سؤال: دكتور عبد الحي، كيف تقيمون واقع الشأن الديني في أوروبا حالياً، خصوصاً فيما يتعلق بالجاليات المسلمة؟
الدكتور عبد الحي السملالي: الشأن الديني في أوروبا يعيش مرحلة دقيقة جداً في جو مشحون بالاسلاموفوبيا و وطأة القوانين المعادية للإسلام، حيث تواجه الجاليات المسلمة تحديات كبيرة تتعلق بالتكيف والتأقلم مع هذا الجو و مع المجتمعات الأوروبية دون ان ينقص ذلك من تدينها شيء أو يسئ اليه. هناك محاولات مستمرة للاندماج، لكن هذه المحاولات تتقاطع مع الحاجة إلى الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية للمسلمين. ويكمن التحدي في بناء نموذج للعيش المشترك يحترم الخصوصيات الدينية ويضمن التعايش السلمي بين مختلف الثقافات في إطار قانوني وأخلاقي خاص.
سؤال: كيف ترون دور المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة في هذا السياق؟ هل يقوم بالدور المنوط به بشكل كافٍ؟
لدكتور عبد الحي السملالي: المفروض أن يلعب المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة دوراً محورياً في تأطير الجاليات المسلمة في أوروبا خاصة في تجديد الخطاب الديني و تقديم خطاب وسطي يحترم السياق و يوافقه ويليق به و يوفر الآليات لمواجهة التحديات الفكرية والدينية التي تواجه المسلمين في بلدان إقامتهم. لا يمكننا في الوقت الراهن، القول، ان المجلس اياه يقوم بالدور المنوط به بشكل كافٍ. فعلى الرغم من الجهود المبذولة، هناك تقصير واضح يبتدئ من التصور المعتمد الذي يحدد وظيفة المجلس ليطال الاستراتيجيات التي يعتمدها سواء في إنتاج المعرفة العلمية التي تحتاجها مواكبة احتياجات الجاليات المتنوعة فيما يتعلق بالدين او التوجيه الديني أو حتى في تمثيل هذه الجاليات بشكل فعال. حسب تقديري، المجلس بحاجة إلى اعادة النظر في التصور المعتمد لوظيفته و لطريقة اشتغاله كما هو محتاج إلى إعادة النظر في هيكلته و في استراتيجياته المعتمدة التى تحتاج بدورها الى تجديد وتطوير و تحيين مستمر ... عدم مواكبة المجلس للسياق الأوروبي أو حتى العالمي يظهر في طرق تواصله في زمن الفيسبوك و التيكتوك و الانستغرام… أقل ما يمكن أن نقول عن هذا التواصل انه غير فعال خاصة مع الشباب، لضمان تكوين أجيال جديدة تحمل قيم الإسلام المعتدل وتساهم في بناء المجتمع.
سؤال: هل تعتقدون أن التغييرات الأخيرة التي طرأت على المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة كافية لتعزيز فعاليته؟
الدكتور عبد الحي السملالي: التغييرات الأخيرة تعتبر خطوة إيجابية، لكنها في اعتقادي غير كافية لوحدها. لا يمكننا أن نراهن على شخص واحد ليغير الوضع، فرق العمل المسلحة بأشخاص بكفاءات علمية وأكاديمية لها تراكمات من التجارب، هي التي يمكن أن تحدث التغيير و تصنعه…، كما قلت في جوابي على السؤال السابق نحن بحاجة إلى تصور جديد لوظيفة و طريقة اشتغال المجلس و تصور جديد و أعمق لرؤى استراتيجية طويلة المدى تكون موجهة نحو تعزيز الانخراط المجتمعي للمجلس وتطوير أدوات تواصله مع التركيز على تكوين أطر قادرة على التفاعل مع القضايا المعاصرة والتحديات اليومية التي تواجه المسلمين في أوروبا.
سؤال: وبالنسبة للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بفرنسا، كيف تقيمون دوره في تدبير الشأن الديني الإسلامي هناك؟
الدكتور عبد الحي السملالي: المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية يواجه تحديات مشابهة، لكنه يعتبر نموذجاً مهماً في تنظيم الحياة الدينية الإسلامية في فرنسا. المشكلة الرئيسية التي تواجهه تتعلق بالتنظيم الداخلي والتمثيل الفعلي والحقيقي للجاليات المسلمة، بالإضافة إلى التداخل بين الاعتبارات الدينية والسياسية. يجب على المجلس اياه أن يعزز استقلاليته عن إملاءات فرنسا ويتبنى خطاباً صريحا يرفض أي تدخل خارجي في شؤونه، خطابا منسجما مع روح قيم الجمهورية الفرنسية، مع العمل على حل مشكل النعرات العرقية و السياسية التي أدت إلى الانقسامات الداخلية التي أضعفت المجلس وتوشك ان تقبره الى ابد الابدين.
سؤال: هل ترون أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ينجح في تحقيق التوازن بين الحفاظ على الهوية الإسلامية ومتطلبات الاندماج في المجتمع الفرنسي؟
الدكتور عبد الحي السملالي: المجلس يواجه صعوبات في هذا المجال، من بينها ما ذكرناه من انقسامات وعدم الاستقلالية التامة في اتخاذ القرارات. حسب تقديري تحقيق التوازن السالف الذكر، رهين اولا وقبل كل شيء باستقلاليته وخروجه من مشكل الانقسامية، حينها يمكن ان يعمل بجدية على بناء خطاب ديني متوازن يتوافق أكثر مع قيم الجمهورية الفرنسية وفي الوقت ذاته يراعي الحاجات الدينية للجالية المسلمة. هذه المهمة ليست سهلة، لكنها ممكنة من خلال تعاون مختلف الفاعلين داخل المجلس وخارجه.
سؤال: ما هي في رأيكم الإصلاحات المطلوبة لتحسين أداء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية؟
الدكتور عبد الحي السملالي: لتحسين أداء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، يجب البدء بعدة إصلاحات جوهرية. أولها: تعزيز الاستقلالية والشفافية في آلية اتخاذ القرارات داخل المجلس لضمان تمثيل حقيقي وشامل لمختلف مكونات الجالية المسلمة في فرنسا. ثانيها: من الضروري العمل على توحيد الصفوف والرؤى الدينية وتجنب الانقسامات الداخلية التي تؤثر سلباً على فعالية المجلس، ثالثها يجب التركيز على تأهيل الأئمة وتوفير تكوين مستمر لهم يليق بالسياق ويناسبه، ويمكنهم من القدرة على إنتاج خطاب يواكب الراهن ويناسب مجتمع مخاطبهم. رابعها: العمل على ان تكون العلاقة بين المجلس والسلطات الفرنسية علاقة مؤسسة بدولة، بحيث يتم تعزيز الثقة المتبادلة والعمل بشكل مشترك لمواجهة التحديات مثل التطرف والتعايش السلمي. وأخيراً اختم حديثي بالقول ان ضمان مصداقية هذا المجلس و فعاليته رهينة بتوطنه لنفسه واستقلاليته عن التأثيرات الخارجية.
سؤال: دكتور عبد الحي، كيف تقيمون مستقبل الشأن الديني الإسلامي في فرنسا في ظل القوانين الجديدة والتحديات الاجتماعية المتزايدة؟ وهل ترون أن هناك مجالاً للتوفيق بين متطلبات الاندماج والحفاظ على الهوية الإسلامية؟
الدكتور عبد الحي السملالي: مستقبل الشأن الديني الإسلامي في فرنسا يتوقف على مدى قدرة الجاليات المسلمة على التكيف مع التغيرات السياسية والاجتماعية، وخاصة في ظل القوانين الجديدة التي قد تكون أحيانًا مشددة تجاه الدين الإسلامي، مثل قانون "مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية". هذا القانون، على الرغم من نواياه المعلنة لمكافحة التطرف، قد يضع ضغوطًا على الممارسات الدينية، مما يصعب التوفيق بين الالتزام الديني ومتطلبات الاندماج.
ومع ذلك، أعتقد أن هناك مجالًا للتوفيق بين الحفاظ على الهوية الإسلامية ومتطلبات الاندماج، إذا تم اتباع نهج متوازن يقوم على الحوار المستمر مع السلطات الفرنسية والمجتمع المدني. المسلمون في فرنسا لديهم فرصة للمشاركة في الحياة الاجتماعية والثقافية مع الحفاظ على قيمهم الدينية، لكن ذلك يتطلب مجهودًا كبيرًا من المؤسسات الإسلامية، مثل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، لتعزيز خطاب معتدل ومتجدد يتماشى أكثر مع القيم الفرنسية كما سبق و أن أشرت له.
كذلك، من المهم تأهيل الأئمة وتعزيز تعليمهم بما يسمح لهم بالتفاعل الإيجابي مع قضايا المجتمع الفرنسي، والمساعدة في بناء جسور بين المسلمين وغير المسلمين. لا شك أن التحديات كبيرة، ولكنني أرى أن بالإمكان خلق نموذج من الاندماج يحترم الهوية الإسلامية في إطار احترام قوانين الجمهورية.