
السيدة ليلى الزعروري، متخصصة في مجال الطيران، وباحثة في الأدلة الجنائية الفضائية، تُعني بالشؤون القانونية والإصلاح القضائي. جنيف، سويسرا.
📍جنيف، سويسرا
العقوبات البديلة: نحو عدالة أكثر إنسانية وفعالية
تُعد العقوبات البديلة آلية حديثة نسبيًا في السياسة الجنائية، تهدف إلى الحد من اللجوء إلى السجن، لاسيما في الجرائم البسيطة وغير العنيفة. وترتكز هذه العقوبات على أشكال مختلفة من الجزاء، من أبرزها:
- العمل لفائدة المجتمع
- الغرامات اليومية عوضًا عن الحبس
- المراقبة الإلكترونية
- الإقامة الجبرية
- العلاج الإجباري (في حالات خاصة مثل الإدمان)
ورغم ما توفره هذه العقوبات من فوائد متعددة، كتقليل الاكتظاظ في السجون وتخفيف التكاليف على الدولة، وتعزيز فرص إعادة الإدماج الاجتماعي، فإن تطبيقها لا يخلو من تحديات وسلبيات، كشفت عنها تجارب العديد من الدول.
1. الإحساس بعدم العدالة لدى الضحايا أو المجتمع
في بعض الحالات، تُعتبر العقوبة البديلة “مخففة” مقارنة بخطورة الجريمة، ما يثير شعورًا بعدم الإنصاف، سواء لدى الضحايا أو لدى الرأي العام. وقد يؤدي ذلك إلى تراجع الثقة في النظام القضائي إذا لم يتم توضيح مبررات العقوبة البديلة وشرح أهدافها بوضوح.
2. ضعف البنية التحتية وصعوبة المراقبة
يُعد ضعف الإمكانيات اللوجستيكية والبشرية (كالشرطة، وأعوان المراقبة، والأجهزة التقنية) عائقًا رئيسيًا أمام تنفيذ فعّال للعقوبات البديلة. فإذا كانت المراقبة شكلية أو غير صارمة، فإن العقوبة تفقد طابعها الردعي والتأهيلي.
3. خطر التمييز الاجتماعي
تشير بعض الدراسات إلى أن العقوبات البديلة غالبًا ما تُمنح للأشخاص ذوي المكانة الاجتماعية الأفضل (المتعلمين، الميسورين…)، بينما تُستبعد منها الفئات الهشة والمهمشة. هذا التمييز، إن وُجد، يقوّض مبدأ المساواة أمام القانون.
4. احتمال تكرار الجريمة (العود)
رغم الطبيعة الإصلاحية لهذه العقوبات، إلا أن غياب برامج دعم وإعادة تأهيل فعالة (نفسية، اجتماعية، مهنية) قد يؤدي إلى عودة بعض المحكوم عليهم إلى الجريمة، مما يطرح تساؤلات حول مدى نجاعة العقوبات البديلة على المدى الطويل.
5. صعوبات التنفيذ في المناطق القروية أو النائية
تطبيق بعض العقوبات، مثل “العمل لفائدة المجتمع”، يتطلب توفر مرافق ومؤسسات تستقبل هذه الحالات. وفي المناطق القروية أو النائية، قد يُطرح هذا كإشكال عملي، يتطلب تنسيقًا محكمًا بين السلطات القضائية والسلطات المحلية.
6. ثقافة المجتمع والقضاة
نجاح العقوبات البديلة لا يتوقف على النصوص القانونية فقط، بل يرتبط أيضًا بمدى اقتناع القضاة والمجتمع بجدواها. ففي بعض الدول، رغم وجود قوانين تُجيز هذه العقوبات، ظل القضاء متمسكًا بالسجن كخيار أول، نظرًا لاعتباره “أكثر أمانًا” أو “أكثر صرامة”.
خاتمة
العقوبات البديلة ليست حلًا كاملًا لمعضلة العقاب أو لكل مشكلات العدالة الجنائية، لكنها تمثل خطوة مهمة نحو نظام عدالة أكثر توازنًا وإنسانية. ولكي تنجح هذه الآلية، لا بد من:
• توفير الموارد البشرية والتقنية اللازمة
• توعية القضاة والمجتمع بأهميتها وأهدافها
• تحديد الجرائم التي تُناسب هذا النوع من العقوبات بدقة
• ضمان تنفيذ جاد ومراقبة فعالة
وحين تُنفذ وفق أسس محكمة وبآليات فعّالة، تُصبح العقوبات البديلة رافعة استراتيجية لإصلاح المنظومة الجنائية، ووسيلة فعّالة لتعزيز إعادة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم، بعيدًا عن منطق العقاب التقليدي.
{ يتبع }
للاطلاع على مزيد من التفاصيل، المرجو زيارة الرابط التالي:
https://maglor.fr/mre/alqwbat-albdylt-dalt-bla-sjn-hlm-am-waq