
عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج
كــرة القــدم، ذلك الاختراع البريطاني الذي تطور مع الزمن فأصبح صناعة قائمة الذات ترتبط بها العديد من المجالات الاقتصادية (السياحة، الطيران والخدمات...) والإعلامية (قنوات رياضية متخصصة وشركات صناعة الإشهار…) والعلمية (الطب الرياضي، الترويض الطبي…)، وتدور في فلكها مبالغ فلكية سواء مبالغ النقل التلفزي أو عقود اللاعبين…
وسيطلـق الفرنسي Jules Rimet رئيس الفيـفا منذ سنة 1921، أول مسابقة بطولة عالمية لكرة القدم كآلية قوية للسلام والتضامن وتقريب الشعوب، وأن الصراع بين الشعوب يجب أن يكون داخل رقعة الملعب وليس بساحات الحرب، خاصة وأن العالم كان قد خرج لتوه من الحرب العالمية الأولى…
لقد كانت الرغبة في تحويل النظر عن أوروبا الجريحة والمثقلة بتداعيات الأزمة الاقتصادية الكبرى لسنة 1929... لذلك لم يكن اختيار دولة الأوروغواي لتنظيم أول بطولة عالمية في كرة القـدم سنة 1930 اعتباطيًا... إذ فازت بأولمبياد سنتي 1924 و1928 لتصبح أول دولة من أمريكا اللاتينية تعلب بأوروبا، بالإضافة إلى احتفالات الأوروغواي بمئوية دستورها لسنة 1830... أضف أن 88% من سكان الأوروغواي هُـم من أصول أوروبية و44% منهم من أصول إيطالية، وهو ما يفســر إرتباط الأوروغواي بأوروبا... كما لقبــها العديد من المحللين بسويسرا أمريكا اللاتينية، وأنها الديمقراطية الأكثر تطورا بالمنطقة…
وبالفعل فقد نظمت الأوروغواي كأس العالم لسنة 1930 وشاركت فيه 13 دولة مع مقاطعة بريطانيا التي كانت ترى في نفسها الأحق لتنظيم أول بطولة عالمية فازت بها الأوروغواي في النهائي ضد الأرجنتين…
وبـإعلان الفيفا يوم الأربعاء 04 أكتوبر 2023 عن تنظيم مشترك بين المغرب واسبانيا والبرتغال لكأس العالم سنة 2030، مع إجراء ثلاث مباريات بكل من الأوروغواي والأرجنتين والبارغواي تخليــدا لـمئوية الكأس التي انطلقت من عاصمة الأوروغواي مونتيفيديو سنة 1930... فـإن هذا يعني من جهة أولى أن نسخة مونديال أمريكا وكندا والميكسيك لـسنة 2026 ستكون خاتمة لمرحلة عرفت انتقال الكأس بين دول أوروبا والأمريكيتين وآسيــا وجنوب افريقيا والشقيقة قـطـر، وتطورت فيها اللعبة إلى درجة كبيرة… فمونديال الأوروغواي مثلا لـسنة 1930 ليس هـو مونديال قطر 2022...
كما يعني من جهة ثانية، أن النسخة المغربية/ الاسبانية/ البرتغالية لسنة 2030، ستـكون إعلانًا لمرحلة جديدة تُتـيح للمغرب مساحات جديدة ودور كبير في تشكيل ملامح جديدة لجيل المئويـة الثانية لكأس العالــم… مُنطــلقـا من أرضية صلبة نتيجة العديد من العوامل سواء تلك المتعلقـة بتكوين العنصر البشري للاعبيـن منهم أو الحُكـام ذكورا وإناثًا بـأكاديمية محمد السادس لكرة القدم، أو بتطوير البنية التحتية وعصرنة الملاعب بكل المدن المغربية... وانتقال البطولة المغربية إلى الاحتراف... وتوزيع المحترفين المغاربة بين أعرق وأقوى الفرق العالمية بمختلف القارات..
ليس هذا فحسب، فقد عرف المغرب زخما قويا وتراكما على مستوى التنظيم القاري أو المتوسطي أو العالمي بتنظيم كأس العالم للأندية… وحصول فرقه الرياضية (ذكورا وإناثًا) على كـؤوس وبطولات قارية عديدة، كما شكل تـألق الفريق الوطني في مونديال قطر بوصوله لنصف النهائيات حدثا تاريخيا غير مسبوق وإشعاعا إعلاميا كبيرا واحتفالًا شعبيا خُتـم باستقبال ملكي كبير لأسود الأطلس رُفقـة أمهاتهم... كل هــذا يؤهل المغرب ليكون بجدارة مُمثِـلا قـويا لكل الاشقــاء العرب والأفارقة في بــداية المئوية الثانية لكأس العالم لسنـة 2030…
فــالمرحلة القادمة يجب أن تكون مغربية وافريقية، خاصةً إذا علمنا أن كل الفرق العالمية تضم عددا كبيرا من اللاعبين الأفارقة أو من أصل افريقي... حيث بات اللاعب الافريقي ينافس لاعبي أمريكا اللاتينية داخل الفرق الأوروبية…
لقــد غيرت كرة القدم الكثير من الصور داخل افريقيا… حيث أحدث لاعبوها تطورا رهيبا داخل المجتمعات، كما ساهموا من خلال برامجهم الاجتماعية والتطوعية أو استثماراتهم من تغيير وجه افريقيا.. فاللاعب الليبيري "جورج ويــا" مثلا بعد تألق أوروبي وجوائز عالمية أصبح رئيسا لدولة ليبيريا بعد فوزه في الانتخابات.. كما أن إنجاز أسـود الأطلس بمونديال قطر 2022، كان له الأثر العظيم في صورة المغرب بالخارج من خلال إحتفاليـات بالساحات العالمية عقب كل انتصار لأسود الأطلس...
بطبيعة الحال لايمكن إغفال تأثير العنصر السياسي في مجال التنظيم أو المشاركة، فتنظيم المغرب واسبانيا والبرتغال لـمظاهرة رياضية من حجم كأس العالم … يعني أن المغرب من الدول التي لها وزن كبير في الساحة الدولية.. ساعده في ذلك الاستقرار السياسي والتطور الديمقراطي والتموقع الجغرافي المهــم… بالإضافة إلى العلاقات المتميـزة مع كل من اسبانيا والبرتغال والمشترك التاريخي والإنساني بينهـا…
ومن جهة أخرى، فـإجراء بعض المباريات بأمريكا اللاتينية تخليدا للمئوية الأولى لكأس العالم، سيكون مناسبة مهمة لتلك الدول للتعرف عن المغرب شعبا ومؤسسات لـتعبيد الطريق لشراكات جديدة ولتعاون جديد يخدم شعوب واقتصاديات تلك الدول.. كما يخدم قضايا الديمقراطية والأمن وتطوير حجم المبادلات التجارية والرفــع من فـرص الاستثمــار...
إن الشغف المغربي بكرة القــدم سيكون عاملا مهمًا لإنجاح تنظيم بطولة عالمية سعى المغرب لتنظيمها بتقديم ترشيحه خمس مرات… إلى أن زفً جلالة الملك محمد السادس يوم 04 أكتوبر الخبر السار بتحقـق حلم الأمة المغربية بتنظيم مونديال 2030 إلى جانب كل من اسبانيا والبرتغال…
فـكـرة القدم لم تعد لــعبة رياضية عـاديـة فقــط، بل أصبحت صناعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى… وبالإضافة إلى أدوار إنسانية تخدم تضامن الشـعوب والدفاع عن بعض القيم والحريات… هناك أدوار أخرى من جملتها.. أدوار سياسية باعتبارها قوة ناعمة في مجال العلاقات الدولية… وأدوار اقتصادية تتعلق بجـذب السياح وتقريب الشعــوب وبجلب الاستثمارات الخارجية وتوفير فرص العمل.. وأخرى تساهم فـي الارتقاء الاجتماعي..
ولن نجازف بالقول، إن المغرب جاهز للعب دور القاطرة بالنسبة للقارة الافريقية للمرور إلى المئـوية الثانية لكأس العـالم... لتوفره على كل الإمكانيات المادية والبشرية واللوجستية والشغف اللازم باللعبة من أجل بلورة جيل افريقي جديد يمارس ويتألق بالملاعب العالمية ويساهم في تنمية المجتمعات الافريقية…