
م.النوري
في خطوة غير مسبوقة، قرّر جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، إلغاء الاحتفال الرسمي بعيد الأضحى لهذه السنة، في ظل الأزمة الخانقة التي تعرفها البلاد على مستوى وفرة الأضاحي وارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق. هذا القرار الملكي جاء ليكرّس من جديد مبدأ السيادة الحكيمة والتفاعل الواعي مع نبض المواطن، بعدما تعثّرت الحلول الحكومية وفشلت آليات السوق المستوردة في تأمين الأضحية للمواطن المغربي البسيط.
لكن، وفي مشهد يكشف عن تناقض صارخ، رُصدت سلوكيات من بعض المواطنين تعكس ازدواجية مقلقة في التعاطي مع القرار الملكي، حيث شوهدت محاولات اقتناء الأضاحي سرًا وذبحها خارج الأطر الزمانية للعيد، بل قبل حلوله أو بعده بأيام، في تجاوز رمزي لروح القرار ومضمونه. هذه الممارسات، التي قد يراها البعض فردية، تطرح تساؤلات عميقة حول مدى رسوخ قيم المواطنة والالتزام الجماعي في لحظات الاختبار الوطني.
ولعل الأخطر من ذلك، أن هذه الازدواجية لا تقف عند المواطنين البسطاء فحسب، بل تمتد إلى أولئك الذين يُفترض أن يكونوا أوفياء للدولة ولرموزها، من مسؤولين وسياسيين وموظفين كبار، تورط بعضهم في قضايا نهب المال العام، واختلاس مقدرات الشعب، والاستفادة من ريع لا يستحقونه. هؤلاء يشكّلون النواة الصلبة لـ”الخيانة الحقيقية”، لأنهم يقوّضون أسس الثقة بين الدولة والمجتمع، ويُفشلون أي إصلاح من الداخل.
وفي هذا السياق، يكتسب قرار جلالة الملك بسحب ملف استيراد المواشي من يد الحكومة، ووضعه تحت وصاية المجلس الأعلى للحسابات، بُعدًا إصلاحيًا عميقًا ورسالة سياسية صارخة، مفادها أن السيادة لا تقبل التلاعب، وأن الحكامة الرشيدة هي السبيل الوحيد للحفاظ على تماسك الدولة وكرامة المواطن.
إن ازدواجية السلوك الشعبي، حين تقابلها حكمة القرار السيادي، تكشف بوضوح أننا نعيش لحظة اختبار وطني بكل ما تحمله الكلمة من معنى. اختبار بين الوفاء والخيانة، بين التضامن والانتهازية، بين الصدق في الولاء والانفصام عن المصلحة العامة.
والشعب الأمازيغي الحر، الذي لطالما آمن بأن “ⴰⵣⴰⵍⴰⵍ ⵉⵙ ⵓⴷⴷⵉⵏ – الأحرار لا يخونون”، يقف شامخًا في مثل هذه اللحظات، لأنه تربى على الوفاء في السراء والضراء، وعلى أن الوطنية ليست شعارًا موسميًا، بل عهد لا يُنقض.
وعليه، فإن كل من يختار طريق الخيانة ـ سواء بالفعل المباشر أو بالتواطؤ الصامت ـ لا يمثل إلا نفسه، وسيدينه التاريخ كما تدينه ضمائر الأحرار. أما الذين يلتزمون بخيارات الدولة ويعبّرون عن وعي جماعي راقٍ، فهم وحدهم من يصنعون الفرق، ويحملون مشعل المغرب الحر نحو المستقبل.