
بقلم ؛ البكراوي المصطفى البزيوي
لم تعد منصات التواصل الاجتماعي مجرد وسائط لتقاسم الأفكار وتبادل المعرفة، بل تحوّلت إلى مساحات ضخمة يغمرها المحتوى، تتفاوت قيمته بين المفيد والمبتذل، وبين الهادف والتافه. وأمام هذا السيل الجارف من المواد الترفيهية السطحية، يجد المحتوى الجاد نفسه في موقع دفاعي، يكافح للظهور، ويقاوم طغيان "الترند" و"اللايك".
إن خوارزميات هذه المنصات لا تمنح الأفضلية لما هو أعمق أو أكثر فائدة، بل لما هو أسرع انتشارًا، وأكثر إثارة وتفاعلاً. وهنا يكمن الإشكال: المحتوى التافه بطبيعته يستجيب بسهولة لهذه المعايير، لأنه يخاطب الحواس لا العقول، ويُقدَّم غالبًا في قوالب خفيفة وسريعة الهضم.
لكن من الظلم تحميل المنصات وحدها مسؤولية هذا الوضع. فالمستخدم نفسه — سواء كان صانعًا للمحتوى أو مستهلكًا له — يلعب دورًا أساسيًا في تغليب كفة السطحية على العمق. كثيرون يفضلون الفيديوهات المضحكة أو القصص الفارغة على المقالات التحليلية، أو الحوارات الفكرية، أو النقاشات الاجتماعية الرصينة.
وللأسف، هذا الانحياز الجماهيري نحو التفاهة يُحبط صُنّاع المحتوى الجاد، ويُحاصرهم بقلة التفاعل، ما يدفع البعض منهم إما إلى التراجع، أو إلى التنازل عن القيم مقابل الشعبية.
في ظل هذه المعادلة المختلة، تصبح الحاجة ملحة إلى تربية إعلامية رقمية تعزز من وعي المستخدم، وتمكنه من التمييز بين الغث والسمين. كما يجب دعم المبادرات التي تنتج محتوى هادفًا بوسائل مبتكرة وجذابة، دون أن تُفرغ الرسائل من مضمونها. فالتغيير لا يكمن فقط في النصوص، بل أيضًا في الأسلوب والطرح والتفاعل.
وختامًا، إن حماية الفضاء الرقمي من طغيان التفاهة ليست ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة مجتمعية لحماية الذوق العام، وترسيخ خطاب رقمي راقٍ يليق بطموحات أجيال تبحث — ولو بين الركام — عن المعنى .