Partager sur :

"الجنوب الشرقي.. حين يُقصى الإنسان وتُهمل الأرض ويُختزل التراث"

 

✍️ افتتاحية رأي – “أولى نيوز”

ليس من باب التهويل أن نقول إن الجنوب الشرقي المغربي، بكل رمزيته التاريخية وثقله الجغرافي، أضحى اليوم وكأنه هامشٌ بعيد في مشهد تنموي يتمركز حول مصالح كبرى لا تُراعي الإنصاف المجالي. إنها منطقة تبدو، في نظر العديد من المتتبعين المحليين، خارج جدول أولويات الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين.

في هذه الرقعة الواسعة، يُوجَّه الماء نحو الأنشطة السياحية، وتُستنزف الثروات المعدنية دون وضوح تام بشأن العائدات التنموية على الساكنة، بينما تُستغل الطاقة الشمسية في مشاريع يُثار حول شموليتها المجالية كثير من الأسئلة. أما المواطن، فغالبًا ما يجد نفسه في موقع المتفرج، تُعاد عليه مشاهد الإقصاء والتهميش، وكأنها واقع لا يتغير.

من المثير للانتباه أن تُقدَّم القصبات والمنتوجات الثقافية الأمازيغية كعناصر للترويج السياحي، دون أن يُواكبها استثمار حقيقي في حفظ الذاكرة الجماعية أو دعم البنيات التحتية المرتبطة بها. كثير من الفعاليات المحلية تعتبر أن التراث الثقافي للمنطقة يُعاد إنتاجه في صيغ احتفالية سطحية تُغيّب عمقه الهوياتي لصالح ما يُعرف بـ”الفلكلور المناسباتي”.

في سياق كهذا، يلاحظ متابعون للشأن المحلي أن الدينامية السياسية لا تزال حبيسة أنماط تقليدية تفتقر في أحيان كثيرة إلى النجاعة والتجديد. فبعض الممارسات التي ترتكز على الولاءات المحدودة والانتماءات الضيقة قد تُعيق بروز رؤية تنموية شاملة ومتكاملة. وبدل أن تكون النخب المحلية محفّزًا للتنمية، تتحول أدوارها – في نظر البعض – إلى اجترار خطابات لا تواكب التحولات ولا تستجيب لتطلعات الشباب، الذين يواجهون اليوم تحديات معقدة أبرزها ضعف التشغيل وندرة الفرص.

وفي ظل هذه الأوضاع، تتراجع الثقة في عدد من المؤسسات، وتُطرح أسئلة جادة حول فعالية السياسات العمومية الموجهة للهامش. فواقع التعليم متعثر، والصحة في كثير من المراكز القروية تعاني خصاصًا بنيويًا، والطرق إما غير معبدة أو متدهورة، في حين لا يزال الإعلام الرسمي، في نظر متابعين، مقصرًا في تغطية قضايا المنطقة بعمق ومسؤولية.

نحن إزاء مفارقة مؤلمة: منطقة غنية بالموارد، زاخرة بالتراث، وأهلها يُعرفون بالصبر والعمل، لكنها تُعامل – بحسب ملاحظات فاعلين ميدانيين – وكأنها منطقة انتظار لا استعجال.

من هذا المنبر، نكتب لا لتوجيه الاتهام، بل لإثارة النقاش. الجنوب الشرقي ليس عبئًا على الوطن، بل رافعة إمكاناتها هائلة، شريطة أن تحظى باهتمام حقيقي، وأن تُمنح ساكنته فرصًا متساوية في التنمية، والعيش الكريم، والمشاركة في صياغة المستقبل.

🗒️ هوامش تساؤلية لمتابعة التحقيقات في “أولى نيوز”:
• ما طبيعة العقود المتعلقة باستغلال الثروات المعدنية في الجنوب الشرقي؟ ومن المستفيد من عائداتها؟
• ما الأسباب التي تحول دون استفادة فئات واسعة من برامج التنمية المجالية؟
• كيف يتم التعامل مع التراث الثقافي الأمازيغي؟ وهل تُراعى خصوصياته في السياسات العمومية؟
• ما مدى التزام المنتخبين بوعودهم؟ وأين تتجلى محاسبتهم من طرف الجهات الوصية؟
• كيف تقيم الساكنة أداء المؤسسات العمومية في مجالات التعليم، الصحة، والبنيات التحتية؟

الجنوب الشرقي لا يحتاج لمن يتحدث باسمه، بل لمن يُصغي إليه ويعمل معه.
ومن لا يُنصفه، قد لا يكون قد فهم المغرب في عمقه الحقيقي.

Partager sur :