Partager sur :

جدلية المرأة داخل المجتمع المغربي ومقاربة النوع بقلم الحسن.أ.د

كنت قد دعيت يوم السبت 18-02-2023 في مدينة وجدة من طرف بعض الناشطين من المجتمع المدني والمثقفين إلى لقاء نضمه الحزب الحاكم في المغرب، التجمع الوطني للأحرار، تحت شعار ( مكانة الأسرة في السياسات العمومية ).
للتذكير فقط فأنا لا أنتمي لأي تيار سياسي أو أيديولوجي، لا كن مهتم بالحقل الثقافي و الجمعوي خصوصا في ما يتعلق بشؤون الجالية المغربية والهجرة، والذي أشتغل عليه منذ قرابة 10 سنوات. و حتى أكون صادقا مع نفسي ودون مجاملات كان اللقاء مثمرا وهادفا، وطرحت فيه عدة قضايا تتعلق بوضع المرأة في المجتمع المغربي، والمقاربات التي يمكن من خلالها أن نحسن من مكانة المرأة.
االقاء كان مناسبة لتدخلات أراها صادقة وتلامس جوهر المعضلة، من طرف شخصيات وازنة داخل الحزب الحاكم، كما كانت هناك مداخلات من طرف سيدات مغربيات فاضلات مناضلات في الحزب من مختلف مناطق المغرب، قدمن لمحات عن تجاربهن ومسيرتهن السياسية والمهنية والأدبية، ترك في نفسي انطباعا طيبا وأملا أنه يمكن أن نسير بوضع المرأة إلى الأحسن إن كان هناك التزام صادق بتنزيل هذه الرؤى والتصورات على أرض الواقع.

لقد مر على المغرب زمن غير بعيد كانت فيه حقوق المرأة مهضومة بشكل فضيع، وأذكر عندما كنت صغيرا وأنا أسمع مثلا عبارة ( سيفط ليها البرية لدار) أي بمعنى : أرسل لها ورقة الطلاق، والتي كانت بمثابة الحكم بالإعدام على سيدة ضحت بشبابها وعمرها في أنشاء وتكوين ورعاية  أسرة، تخرج من بعدها بدون أي حقوق، وترمى في مجتمع كان يرفض المرأة المطلقة أو (الهجالة) وينضر إليها نضرة توجس، ففي كثير من الحالات لم تكن المنظومة القانونية آنذاك تقف في صفها، ولا أسرتها تقبلها، و إن قبلتها على مضض فهي تعيش مهانة ومعزولة، أو تجد نفسها هي وأطفالها في الشارع بلا معيل ولا كفيل، في وسط مجتمع يحمل قيم ومفاهيم لم تكن تنصف المرأة، فهي والطفل كانت الحلقة الأضعف داخل المجتمع، إلى أن جاء عهد الملك محمد السادس نصره الله والذي بمبادرات ملكية شجاعة وحداثية، ومن خلال مدونة الأسرة التي تعد نقلة نوعية لتحسين وضع المرأة داخل المجتمع المغربي، حيث يعتبر المغرب رائدا في هذا المجال ومثلا يحتدى به في كل الوطن العربي والإسلامي والإفريقي، لذلك أعتبر أن الفضل في هذه المكتسبات في مجال المرأة يعود في المقام الأول إلى سياسات صاحب الجلالة المستنيرة، وإن كان حسب رأيي لا يزال الطريق طويلا والعمل المطلوب شاقا، وأن لا نكتفي ونقول انه ليس بالإمكان خير من ما كان، وأن لا نتوقف عن وضع الأصبع على الجرح.

يقول المثل المرأة نصف المجتمع، وأقول أن المرأة نصف المجتمع وهي من ولدت وربت النصف الثاني، فهي المجتمع كله، فهي الأم والأخت والزوجة والبنت، ولن يقوم مجتمع ما لم تكن فيه المرأة شريكا فعالا في بنائه وتنميته، وإشكالية دور المرأة في المجتمع تحوي أبعادا كثيرة ليست فقط قانونية أو دستورية أو سياسية، بل وتتعدى إلى ما هو أكثر حساسية، فهي تدخل حقلا ملغما ومعقدا ألا وهو حقل الموروث الديني والثقافي، و بمجرد أن تثار هذه المواضيع وان نحاول أن نحرك الماء العكر، تخرج علينا كائنات تراثية كما وصفهم الجابري، وتحاول أن تفرض علينا وجهة نضرها وقراءتها للنصوص، التي هي فقط عبارة عن تكرار لما وجدوه في الكتب الصفراء من أراء وأقوال وفتاوى لعلماء لهم منا كامل التقدير والاحترام، لا كننا اليوم نقول كما قال الإمام مالك بن أنسٍ رضي الله عنه:(كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ إِلاَّ صَاحِبُ هَذَا القَبْر) يعني النبيَّ صلى الله عليه، هذه المفاهيم والاجتهادات التي لم تعد تساير متغيرات العصر والواقع و التي يريدون ويحاولون من خلالها أن يسيروا بها شؤون المجتمع، مع العلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل فقال: لو لم تفعلوا لصلح، أي أنه أمرهم صلى الله عليه وسلم أن لا يلقحوه، قال: فخرج " تمرا رديئا" فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا، أي أنك أمرتنا أن لا نلقحه.. قال صلى الله عليه وسلم: أنتم أعلم بأمور دنياكم.

 إن مثل هذه المفاهيم التي تغلغلت حتى داخل اللاوعي الجمعي لمجتمعاتنا، والتي علينا أن نخوض معركة لمحاولة تغييرها دون المساس بثوابت الأمة، لأنه من وجهة نضري، فهي لا تدخل في إطار المعتقد أو المعلوم من الدين بالضرورة، وإنما تبقى مسألة فيها اجتهادات وأراء مختلفة، وتأويلات لنصون ليست قطعية الدلالة ولا تدخل في خانة المتواتر، قابلة للنضر حسب متغيرات العصر.

علينا أن نعلم أن الطبقة المثقفة والمجتمع المدني والساسة من الأحزاب الحداثية التي لا تتاجر بالمقدس، والتي تجعل من خدمة الوطن والمواطن هدفها الأسمى، أنه إذا أردنا أن نطور من وضع المرأة أو الطفل أو الأقليات داخل مجتمعاتنا، هذه المجتمعات التي تحمل في جيناتها مورثات الممانعة والمقاومة لكل حداثة ولكل تجديد يخرج عن سياق الموروث، فعلينا إذا أن نخوض معركة وعي، و أن نفتح ورشات فكرية هادئة ومستمرة يشارك فيها كل المهتمون بالقضية من النخبة المثقفة ورجال الدين المتنورين والمجددين والأكاديميين من المتخصصين في علم الاجتماع والنفس وفقهاء الدستور والفاعلين في كل السياسات العمومية، و أن تكون مرجعيتنا هي التوجيهات السامية لصاحب الجلالة ورؤيته في ما يتعلق بقضية الأسرة والمرأة والطفل.

 

Arabe
Partager sur :