
هشام التواتي : طنجة-تطوان-الحسيمة
خلال كل موسم صيفي، تتحول الشواطئ الشمالية للمملكة المغربية إلى قبلة رئيسية لمئات الآلاف من المصطافين، المغاربة منهم وإخواننا من مغاربة العلم المهاجرين، الباحثين عن نسمات البحر هرباً من حر المدن. غير أن هذا الموعد السنوي أصابه المس في رمشة عين، فتحول من لحظة استجمام إلى كابوس حقيقي، يواجه فيه المصطافون غلاءً فاحشاً، واستغلالاً سافراً، وإهمالاً بيئياً ينذر بكارثة.
ومن خلال جولات ميدانية لطاقم جريدتنا Maglor.fr، فقد رصدنا معاناة المصطافين منذ لحظة البحث عن سكن، حيث تشهد أسعار كراء الشقق والشاليهات ارتفاعاً صاروخياً غير مبرر في غياب أي رقابة حقيقية. وإذا كان الغلاء هو العنوان العريض، فإن شاطئ الدالية في قصر المجاز بعمالة الفحص أنجرة يقدم نموذجاً غير مشرف لما آلت إليه أوضاع العديد من الشواطئ. فهذا الشاطئ، يقول أحمد، "لطالما حظي بسمعة طيبة في السابق، فقد أصبح يعاني اليوم من إهمال وتلوث بيئي غير مسبوقين، حيث تحتل "مافيا" كراء الكراسي والواقيات الشمسية المساحات، محوّلة الفضاء العام إلى "مقصف" خاص".
وفي وضعية مؤسفة تعاكس التوجهات الرسمية للمملكة المغربية فيما يخص حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، أبى القائمون على الشاطئ إلا أن يكرسوا الحيف في حق هذه الفئة، حيث خصصوا لافتة كتبوا عليها: "فضاء خاص بالأشخاص ذوي الإعاقة"، متجاهلين التسمية القانونية الرسمية "فضاء خاص بالأشخاص في وضعية إعاقة" كما ينص على ذلك القانون الإطار 97.13 الصادر سنة 2016.
وما يزيد الطين بلة، تقول عائشة، "امتداد الممارسات الاستغلالية إلى المطاعم والدكاكين المحيطة، التي ترفع الأسعار بشكل غير مسبوق، حيث قفز ثمن قنينة الماء من 5 إلى 8 دراهم، وزجاجة المشروب الغازي من 8 إلى 15 درهماً، وثمن الطاجين الصغير إلى 100 درهم، في مشهد تنعدم فيه أيّة رقابة أو آلية للتتبع".
وفي منعطف خطير، يأتي الغزو المفاجئ لقناديل البحر ليزيد الوضع تعقيداً، مهدداً سلامة المصطافين بشكل مباشر. وفي هذا الصدد، أكد يوسف بأن: "الغياب الصادم لأي لافتات تحذيرية أو إرشادات من السلطات المحلية يعتبر تخلياً صارخاً عن أبسط واجباتها في حماية السلامة العامة".
في المقابل، وفي خضم هذه الصورة القاتمة، تبرز إجراءات مشرّفة تمثلت في الاستجابة السريعة لأحد عناصر وحدة التدخل للقوات المساعدة التابعة لعمالة الفحص أنجرة ( ل.ناصر)، إلى جانب الحضور الفاعل لعون السلطة المحلية بالمنطقة، حيث تم الانتقال إلى عين المكان لتوثيق ظاهرة قناديل البحر والتواصل مع قائد المنطقة من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنبيه المصطافين، في خطوة تُحسب لهذه الأطراف.
وفي الختام، فإن المشهد العام يفرض مقاربة عاجلة وجذرية. فالنموذج الحالي القائم على الاستغلال البشع للمصطافين، وتغليب الربح السريع على حساب جودة الخدمة وسلامة المواطن وحتى على حساب احترام التسميات والقوانين الرسمية، أثبت فشله الذريع. ما تحتاجه شواطئنا اليوم هو إرادة سياسية حقيقية تترجم إلى إستراتيجية متكاملة: مراقبة صارمة للأسعار، تأهيل البنية التحتية، حماية بيئية فعالة، واحترام حقوق جميع المواطنين دون استثناء. فقط عندها سنحمي سمعة مناطقنا ونحقق التنمية المنشودة التي تستفيد منها كل الأطراف.
