
في كل سنة، وتحديدًا في العاشر من شهر غشت، يحتفي المغرب بـ “اليوم الوطني للمهاجر"، وهي مناسبة لتسليط الضوء على مغاربة العالم، الذين يتجاوز عددهم خمسة ملايين نسمة، وإبراز الدور الحيوي الذي يؤدونه في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد. فرمزية هذا اليوم وأهميته تحتم ألا يضل الاحتفاء به مهرجانات، وعروض فلكلورية، وتكريمات رمزية، دون التطرق الجاد للتحديات الحقيقية التي تواجه الجالية المغربية، أو التوقف عند الاستفادة الفعلية من كفاءاتها، وخصوصًا النسائية منها.
من الاحتفاء إلى التمكين، أية تحديات واقعية لا يجب تجاهلها؟
نتوخى وبشكل ملح ألا يكون اليوم الوطني للمهاجر مجرد تقليد سنوي فارغ من المحتوى الذي سطره صاحب الجلالة له بل أن يكون منصة للحوار ووقفة سنوية حول قضايانا المصيرية، والتي منها:
ـ المشاركة السياسية لمغاربة العالم، وتمكينهم من التمثيلية في المؤسسات المنتخبة.
ـ ضعف التمثيلية النسائية في المؤسسات المكلفة بقضايا الجالية.
ـ تفعيل المؤسسات الموجودة بدل تركها في حالة ركود أو تجميد.
ـ الاستغلال الموسمي خلال العطلة الصيفية، من خلال ارتفاع أسعار تذاكر الطيران والنقل البحري، وهو ما يُثقل كاهل الأسر ويُضعف روابط الأجيال الجديدة مع الوطن الأم.
ـ المشاكل الاجتماعية في دول الإقامة، كقضية فقدان حضانة الأبناء في بعض الدول بسبب الفوارق التربوية والثقافية، ما يخلق أزمة نفسية وهوياتية داخل الأسر المغربية.
ـ غياب سياسات فعالة للحفاظ على الهوية المغربية واللغة والدين في أوساط الجيل الثاني والثالث.
بناء عليه فالاحتفاء الحقيقي بمغاربة العالم لا يكون عبر الأهازيج والمظاهر، بل عبر الاستماع إليهم، وإشراكهم في القرار، وتثمين كفاءاتهم في خدمة الوطن. ليصبح يوم 10 غشت محطة وطنية مهمة تعرض أوراشا حقيقية للتقييم، والتشخيص، والتخطيط، وتُمكّن مغاربة العالم من المساهمة في بناء مغرب الغد بشكل جاد. ولا يمكن إنجاح هذا الورش الوطني دون إرادة سياسية واضحة، ومؤسسات حية يشارك في قيادتها أبناء وبنات المهجر أنفسهم، بناء على رسالة صاحب الجلالة الواضحة: "إن المغرب يحتاج إلى كل أبنائه، داخل الوطن وخارجه."
أكاديمية مغربيات العالم: صوت نسائي من المهجر يذكر بالإرادة الملكية:
في خضم هذا المشهد، تبرز أكاديمية مغربيات العالم كمبادرة نسائية واعدة وحديثة النشأة، تضم نخبة من الكفاءات النسائية المغربية المقيمة بالخارج. حيث تسعى إلى أن تكون منصة حقيقية لتبادل الخبرات، وشبكة هدفها الدفاع عن الحضور الفعلي للمرأة المغربية في المهجر، وأيضا منتدى للتفاعل والمساهمة في تقدم الوطن الأم.
وقد أحيت الأكاديمية بدورها هذا اليوم، ليس فقط للاحتفاء به، بل للدفاع عن نسبة تمثيلية النساء في المواقع الاستراتيجية داخل مؤسسات الدولة، وللدعوة إلى المشاركة النسائية الفاعلة في المهجر مع ربط كفاءات المهجر بقضايا الوطن. خصوصا وإن الاهتمام الملكي المتواصل بقضايا مغاربة العالم يؤكد أن الجالية ليست مجرد امتداد سكاني خارج الوطن، بل هي شريك استراتيجي في مسيرة التنمية الوطنية. ولتذكير فقد عبّر صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله عن هذه الرؤية بشكل واضح في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الـ 49 للمسيرة الخضراء (6 نونبر 2024)، حيث دعا إلى:
ـ إعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج وتسريع إخراج الإطار القانوني الجديد له، بما يجعله أكثر تمثيلية وفعالية.
ـ إحداث "المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج"، كهيئة تنفيذية تُعنى بتنسيق الاستراتيجية الوطنية في مجال الهجرة، وتأطير الجالية ثقافيًا، لغويًا ودينيًا، ودعمها إداريًا واستثماريًا.
هذا التوجيه الملكي يؤسس لرؤية شمولية وعملية في تدبير قضايا الجالية، ويُؤكد الحاجة الملحّة إلى تسيير هذه المؤسسات بكفاءات من أبناء وبنات المهجر أنفسهم، لربط المسؤولية بالمحاسبة، وضمان التفاعل الحقيقي مع انتظارات الجالية. ورسالة الأكاديمية في هذه المناسبة أن تترجم الإرادة الملكية إلى فعلٍ يمنح مغاربة العالم، وخاصة نساؤه، المكانة التي يستحقونها في قلب المشروع الوطني.