FR AR
شارك على :

حين يتواجه العقل والتقنية: العدالة الجنائية في مفترق الذكاء الاصطناعي

بقلم:
السيدة ليلى الزعروري
خبيرة في مجال الطيران، وباحثة متخصصة في الأدلة الجنائية الفضائية، مهتمة بالشؤون القانونية وإصلاح المنظومة القضائية.

 

جنيف سويسرا 

 

في خضم بحثي المتواصل، كثيرًا ما كنت أجد نفسي أغفو بينما عقلي يواصل العمل بلا توقف. كنت أرسم الأحداث في مخيلتي بدقة، وأعيد بناء الوقائع كما لو أنني أعيشها، محاولةً تصور كيفية كشف زيف شهادة الشاهد في غياب أدلة مصورة أو تسجيلات كاميرات المراقبة. تساءلت مرارًا: كيف يمكن الوصول إلى الحقيقة في ظل أن شهادة الزور، في بعض الدول، لا يتجاوز ثمنها عشرة يوروهات؟

ومن خلال هذا التأمل والبحث، توصلت إلى اكتشاف بالغ الأهمية: للأقمار الصناعية دور محوري في الإثبات الجنائي، قد يُحدث نقلة نوعية في طرق تقصي الحقائق وكشف زيف الروايات.

قمت بنشر العديد من أجزاء بحثي عبر الموقع الإلكتروني الفرنسي Maglor، وذلك باللغتين العربية والفرنسية، من خلال سلسلة مقالات علمية تناولت محاور متعددة تتعلق باستخدام الأقمار الصناعية في مجال الإثبات الجنائي وتحقيق العدالة. ومن أبرز هذه المقالات:
1. الأقمار الصناعية: ثورة علمية تعزز مؤسسة الإثبات الجنائي ومنظومة العدالة
2. دور الأقمار الصناعية في كشف شهود الزور وتحقيق العدالة الجنائية
3. من الفضاء إلى المحكمة: القيمة القانونية لصور الأقمار الصناعية في الإثبات الجنائي
4. الأقمار الصناعية بين الرؤية الشاملة والخصوصية الفردية
5. بين العدالة والمراقبة: التحديات القانونية لاستخدام الأقمار الصناعية في التحقيقات الجنائية
6. كيف تساهم الأقمار الصناعية في التحقق من مصداقية المحتوى المفبرك بالذكاء الاصطناعي
7. هل تمتلك الأقمار الصناعية القدرة القانونية والتقنية على كشف “النزيف العميق” الناتج عن الذكاء الاصطناعي؟
8. الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي: تحالف لكشف الحقيقة في زمن التزييف العميق
9. الأقمار الصناعية والطب: شراكة قضائية لخدمة البشرية
10. الأقمار الصناعية في جائحة كورونا
11. تحديات الذكاء الاصطناعي بين الثروة التكنولوجية وضرورة الموثوقية

تأتي هذه المقالات في إطار سعي علمي لتسليط الضوء على أهمية التكنولوجيا الفضائية في دعم العدالة، وكشف الزيف، وتعزيز الثقة في نظم التقاضي الحديثة.

بالإضافة إلى ذلك، قمتُ بتقديم تحليل معمق للفيلم المصري “صوت وصورة”، الذي شكّل معالجة درامية دقيقة لمسألة حساسة في مجال العدالة الجنائية، حيث سلط الضوء على كيفية فبركة دليل جنائي مرئي واستغلاله لصالح المتهم، بالاستناد إلى القاعدة القانونية الراسخة: “الشك يفسر لصالح المتهم”. وقد تطرقتُ في هذا الشرح إلى الأبعاد القانونية والأخلاقية لمثل هذه الحالات، مبرزة خطورة الاعتماد غير المدروس على الأدلة الرقمية في ظل التقدم المتسارع في تقنيات التزييف، لاسيما ما بات يعرف بـ”التزييف العميق”.

في الجزء الذي تناولت فيه السؤال الجوهري: هل تملك الأقمار الصناعية القدرة على كشف التزييف العميق الناتج عن الذكاء الاصطناعي؟، وجدت نفسي أمام صراع حقيقي يدور في أعماقي. كان صراعًا فكريًا محتدمًا بين ما هو تقني وما هو قانوني، بين أدوات الرصد من أعلى ودقة التزييف من أدنى. هذا التوتر المعرفي دفعني إلى توثيق تلك الحالة العقلية التي عشتها، فأطلقت عليها عنوانًا معبرًا: “تحدي الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي: صراع العقول أم تكامل الأدوات؟”

كنت أتنقل بين الاحتمالات كمن يواجه معادلة مستحيلة، أحيانًا أبتسم من عبثية المشهد، وأحيانًا أُدهش من عمق تعقيده. لقد كان صراعًا مضحكًا في ظاهره، عميقًا في جوهره، لكنه في النهاية كشف لي أن حدود العقل تتسع حين تتلاقى التكنولوجيا مع التساؤل الفلسفي

في لحظة من شدة الانغماس في تفاصيل بحثي وتشعب أفكاري نحو الفضاء والتكنولوجيا، وجدت نفسي أبتسم وأقول: ربما لم يعد حلمي تحقيق العدالة فقط… بل بات الصعود إلى الفضاء نفسه!
كانت لحظة عفوية، مضحكة في بساطتها، لكنها حملت دلالة عميقة على مدى ارتباطي بهذا المجال، حتى بات الفضاء بالنسبة لي ليس مجرد امتداد فيزيائي، بل أفقًا جديدًا للبحث والحلم.

Partager sur :