
حكى لي والدي أنه كان ذات مرة يساعد أباه في أشغال الحقل. وبينما كان جدي يجلس القرفصاء تحت شجرة لوز، كان والدي يمسك محراثا خشبيا بيده يشق الارض في أناة. إذا بابن عم لنا يقف عليهم. فتوجه إلى جدي بالخطاب محملا إياه مسؤولية تجاوز الحدود المرسومة بينهما. استشاط جدي غضبا فالتقط من الارض حجارة، ورمى بها ابن العم فاصابه بها على مستوى الرأس، لولا الالطاف الإلهية لارداه قتيلا في الحال.
توجه ابن العمومة إلى القاضي فشكى له جدي.
سأله القاضي: ألك شهود؟
أجابه المشتكي: كنا في البراري ولم يكن معنا سوى ابن له وهو شاب في مقتبل العمر.
وجه القاضي الاستدعاءات لللمتهم والشاهد على السواء. فحدد لهم موعدا.
جمع القاضي مجلسه ونادى على المتهم والشاهد، توجه بالسؤال للمتهم عن صحة المنسوب إليه، فانكر.
ثم التفت إلى الشاهد وساله: هل فعلا صوب والدك الحجارة صوب هذا الرجل؟
التمس الشاب من القاضي ملتمسا قبل الجواب. اذن له القاضي بالتحدت، فقال: يا سعادة القاضي، لي طلب لدى مجلسكم الموقر قبل الجواب!
وما هو؟ سأل القاضي.
بعزيمة قوية وثقة في النفس قال الشاب: التمس منكم ان تنفذوا علي ما حكمتم به على والدي، فهو اصلي ونور عيني.
التفت القاضي إلى أعضاء مجلسه وسالهم: كيف نحكم على شاهد لم يقترف جرما؟
قرر القاضي رفع الجلسة والخلوة باعضاء مجلسه، للنظر في ملتمس الشاب. وبعد التداول كان له ما أراد.
فاذن له القاضي بالكلام وقال: يا سعادة القاضي هذا أبي اصل، وهذا ابن عمي سند، فكيف سالقى خالقي إن كنت للشهادة كاتما؟ إن ابي هو من فعل هذا بابن العم.
صاح ابن العم: الحمد لله ظهر الحق وزهق الباطل! رد الجد: الحمد لله بأن كان لنا من اصلابنا من لا تأخذه في الله لومة لائم.
تداول اعضاء المجلس في النازلة واصدر القاضي حكما يقضي ببراءة المتهم. لكن لم يغادر المتخاصمان المجلس إلا وهم متصافحون،، متصالحون، متحابون، مقبلين رؤوس بعضهما كأن شيئا لم يقع.
هكذا استطاع الشاب الصادق الامين ان يردم هوة كانت ستتسع وتنتقل عدواها إلى بقية أفراد العائلة. لكن الشاب بصدقه وحكمته ونبل اخلاقه استطاع لم الشمل ومحو الغضب. وليت شباب اليوم لمثل ذلك فاعلون.