FR AR
شارك على :

عبد الله بوصوف : بيدرو سانشيز ينتصر للمقاربة الواقعية ويحمل إسبانيا إلى العالمية

قال الخبير في العلوم الإنسانية عبد الله بوصوف إن “النظام العسكري الجزائري عندما قرر عدم تجديد الاتفاق الخاص بأنبوب الغاز كان يهدف إلى خلق أزمة للمغرب وعزله سياسيا عن إسبانيا وأوروبا، لكن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز انتصر لروابط تاريخية وثقافية واجتماعية واقتصادية مشتركة بين المملكتين تعود إلى قرون عديدة”.

وأكد عبد الله بوصوف، في مقال له بعنوان” بيدرو سانشيز ينتصر للمقاربة الواقعية ويحمل إسبانيا للعالمية”، أن “اعتراف حكومة الاشتراكي سانشيز سنة 2022 بأن مقترح الحكم الذاتي هو الأكثر جدية وواقعية، شكل زلزالًا قويا سيتسبب في هدم القصور الرملية الجزائرية في قضية الصحراء المغربية”.

وبعدما أشار إلى أن “الواقعية السياسية التي يتحلى بها بيدرو سانشيز لعبت دورا كبيرا في إخراج إسبانيا ليس من أزمتها مع المغرب فحسب، بل من أكثر من ملف ساخن”، أوضح بوصوف أن “اعتراف الدولة الإسبانية بمقترح الحكم الذاتي في ملف الصحراء المغربية لم يكن حادثة سياسية، بل كان تبنيها لمقاربة سياسية واقعية وتاريخية في إطار القانون الدولي ومقررات مجلس الأمن الدولي، وانتصار إسبانيا للتاريخ والجغرافيا في ملف الوحدة الوطنية والترابية المغربية”.

هذا نص المقال:

عندما قرر النظام العسكري الجزائري عدم تجديد الاتفاق الخاص بأنبوب الغاز “المغرب ـ أوروبا “MEG إلى إسبانيا عبر المغرب في شهر أكتوبر من سنة2021، كان يهدف بهذا القرار الأحادي إلى خلق أزمة اقتصادية واجتماعية للمغرب وعزله سياسيا عن إسبانيا وأوروبا، وفي الوقت نفسه فقد تعهد لمدريد بالوفاء بكل التزاماته الطاقية عبر أنبوب “ميدغاز” الرابط بين ألميريا الاسبانية والجزائر، مستغلا تداعيات أزمة دخول زعيم البوليساريو غالي/الرخيص إلى إسبانيا بجواز سفر مزور في يونيو من سنة 2021، وما تلا ذلك من قطيعة ديبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، وإجراءات اقتصادية كتعليق حركة تحرك المسافرين عبر الحدود البحرية والمعابر البرية وغير ذلك.

وهنا ستبرز الشخصية السياسية لرئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، الذي انتصر لروابط تاريخية وثقافية واجتماعية واقتصادية مشتركة بين المملكتين تعود إلى قرون عديدة، وذلك بإجرائه لتعديل وزاري في شهر يوليوز من سنة 2021 حيث ستغادر “غونزاليس يالا، وزارة الخارجية، باعتبارها مسؤولة عن دخول زعيم الانفصاليين بهوية مزورة. وقد كان هذا التعديل بمثابة عربون عن حسن نوايا الحكومة الإسبانية، ومدى تمسكها بالعلاقات مع جارها التاريخي وشريكها الاستراتيجي المغرب.

لكن اعتراف حكومة الاشتراكي سانشيز بأن مقترح الحكم الذاتي هو الأكثر جدية وواقعية، في مارس من سنة 2022، سيشكل زلزالًا قويا سيتسبب في هدم القصور الرملية الجزائرية في قضية الصحراء المغربية. كما سيمثل منعطفا سياسيا خطيرا، خاصة وأن هــذا الاعتراف صادر عن الدولة المستعمرة السابقة للصحراء المغربية، وتتوفر بذلك على أرشيف الأحداث وخرائط المنطقة، وهذا ما تسبب في “جلطة سياسية” للنظام العسكري الجزائري الذي لم تنفعه تهديداته بقطع إمدادات الغاز عن إسبانيا وأوروبا في زمن الحرب الأوكرانية، كما حاول تحريك عملائه داخل إسبانيا بالدوائر الحزبية والإعلامية وبعض الجمعيات المنتفعة من هبات سونطراك، لكن دون جدوى، حيث سيتم إعلان “البيان المشترك” بين المغرب وإسبانيا في السابع من شهر أبريل 2022، ليكون بذلك إعلانا عن بداية جديدة لعلاقة قديمة قدم التاريخ المشترك.

وقد لعبت الواقعية السياسية التي يتحلى بها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز دورا كبيرا في إخراج إسبانيا ليس من أزمتها مع المغرب فحسب، بل من أكثر من ملف ساخن، ويكفي أن نتوقف قليلا عند محطة حكومة ماريانو راخوي بين سنتي 2011 و2018 لنقف عند حالة عزلة سياسية وانغلاق عن الخارج عاشتها إسبانيا، خاصة بعد الأحداث الإرهابية التي عرفتها دول مجاورة لها، وكذا أزمة كاطالونيا ومسلسل المحاكمات.

هذا بالإضافة إلى اشتغال حكومة سانشيز على ملفات اجتماعية واقتصادية كبيرة، كالرفع من الحد الأدنى للأجور وتخطي أزمة كورونــا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما ساهم في رفع أسهمه السياسية وقوّى موقفه أمام الناخب الإسباني.

لكن من الواجب التذكير ببعض الأحداث الدّالـة على دور الواقعية السياسية لسانشيز في إخراج إسبانيا من عزلتها السياسية، إحداها كانت هي تعيين وزير خارجيته السابق جوزيف بوريل كممثل أعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في فاتح دجنبر من سنة 2019، وكذلك عبر تبني حكومة سانشيز “استراتيجية العمل الخارجي 2021/2024”.

ليس هذا فحسب؛ فقد نجح في إعادة نسج العلاقات الأوروبية مع دول أمريكا اللاتينية. كما أن مساندته كييف في حربها مع موسكو وتبنيـه لكل إجراءات الحلف الأطلسي، قد عبّـدا له الطريق لاحتضان “قمة الناتو” بمدينة مدريد في شهر يونيو 2022.

سانشيز لم يقف عند هذا الحد، بل إن علاقاته مع ألمانيا تطورت إلى مستوى غير مسبوق، إلى درجة دعوته من طرف أولاف شولز في غشت 2022 لحضور أشغال مجلس الحكومة الفيدرالية الألمانية. كما عُقدت قمة إسبانية/ألمانية بمدينة لاكورونيا الإسبانية في شهر أكتوبر 2022 عرفت توقيع برنامج عمل بين البلدين.

هذا التقارب أثار حفيظة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي رفض أثناء أشغال المؤتمر الأورو-متوسطي بمدينة أليكانتي الإسبانية في دجنبر 2022، مشروع “Medcat” الرابط بين البرتغال وإسبانيا وفرنسا وألمانيا، الذي يتم تعويضه بمشروع “H2Med”. لكن ماكرون سيطير يوم 19 يناير 2023 في اتجاه مدينة برشلونة من أجل لقاء سانشيز لتوقيع اتفاق صداقة وشراكة وتعاون في مجالات نوعية كالهجرة والطاقة والدفاع، مع التنبيه إلى رمزية اختيار حكومة سانشيز مدينة برشلونة لتوقيع معاهدة دولية مهمة مع فرنسا، تتجاوز بها أزمات كاطالونيا السابقة.

لكل هـذا، فاعتراف الدولة الإسبانية بمقترح الحكم الذاتي في ملف الصحراء المغربية في مارس 2022، لم يكن “حادثة سياسية”، بل كان تبنيها لمقاربة سياسية واقعية وتاريخية في إطار القانون الدولي ومقررات مجلس الأمن الدولي، وانتصار إسبانيا للتاريخ والجغرافيا في ملف الوحدة الوطنية والترابية المغربية.

كما خرجت من جهة أخرى منتصرة في معركة كسر العظام مع النظام الجزائري، إذ حلت الولايات المتحدة الأمريكية محل سوناطراك في التزويد بالغاز الطبيعي. أكثر من هذا، فتوفـر إسبانيا على حوالي 6 محطات لتخزين وتحويل الغاز الطبيعي بموانئها أهلها لأن تصبح مركزا لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي بنسبة 30% من احتياجاتها.

وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أرقام المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا انطلاقا من وسط وشرق البحر المتوسط، تراجعت أعدادهم بنسبة 30% في سنة 2022 مقارنة مع سنة 2021 بين المغرب وإسبانيا، حسب وكالة فرونطيكس.

كما سيتم التوقيع على حوالي 20 اتفاقية تعاون في العديد من المجالات أثناء أشغال اللجنة العليا المشتركة المغربية الإسبانية المنعقدة بالرباط يومي 1 و2 فبراير 2023.

أكثر من هذا، فقد صوت نواب الحزب الاشتراكي الإسباني بالبرلمان الأوروبي يوم 19 يناير 2023 ضد “توصية جاهزة”، كان هدفها هو تشويه صورة المغرب بالخارج.

وبالمقاربة السياسة الواقعية ذاتها والسلم المجتمعي وتراكمات حسنات السياسة الخارجية لحكومة سانشيز، سيدخل امتحان الانتخابات البلدية في شهر ماي ليتسلم رئاسة الاتحاد الأوروبي في شهر يوليوز 2023 في انتظار تشريعيات دجنبر.

 

Partager sur :