
هشام التواتي- تقرير
بنت القرويين سابقا، وصنوة جامعة سيدي محمد بن عبد الله حاليا، كلية الشريعة بفاس كانت يوم الأربعاء 06 يناير 2021 في قلب الحدث من خلال استضافة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الدكتور أحمد التوفيق من أجل إحياء سنة الدروس الإفتتاحية التي دأبت عليها كبريات الكليات والمعاهد العريقة في العالم، من خلال درس :
"الخلفيات الإجتماعية لبعض وقائع الإسلام".
رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله، وفي معرض كلمته الإفتتاحية والترحيبية بالضيف الكبير، نوه بالمناقب الفكرية والقيمة العلمية الوازنة للمحاضر الوزير الدكتور أحمد التوفيق، والتي أهلته، يقول الدكتور رضوان مرابط،" ليحظى بالثقة السامية لجلالته ويجعله على رأس وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من أجل تنزيل رؤية جلالته لهيكلة الحقل الديني وتأطيره علميا وسلوكيا وقانونيا وإداريا".
هاته الرؤية، يضيف رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله: "استمدت قوتها من التراث الديني والمذهبي والروحي للمملكة المغربية، أرض التعايش والإنفتاح ونبذ التطرف."
وتابع الدكتور رضوان مرابط قائلا بأن المحاضرة القيمة للوزير ستكون فرصة للحضور الكريم من " أجل فهم الواقع فهما دقيقا يستوعب دروس التاريخ ويمكن من تثمين مكتسباته".
بدوره جدد عميد كلية الشريعة الدكتور عبد المالك عويش باسمه ونيابة عن جميع أساتذة وطلبة كلية الشريعة الترحيب بالوزير على تفضله بإلقاء الدرس الإفتتاحي الذي دأبت الكلية على تنظيمه كل سنة عبر موضوع "الخلفيات الإجتماعية لبعض وقائع الإسلام".
وأشار في هذا الصدد إلى أن الفقيه في الوقت الراهن مطالب بتنويع معارفه ومحاربة الجمود عبر عدم الإرتكاز فقط على الكتب الفقهية بل يبنبغي عليه النهل من كتب علم الإجتماع ومن اللغة ومن التاريخ وغيرها من العلوم.
ولم يفوت العميد الدكتور عبد المالك عويش الفرصة ليسلط الضوء على المكانة المتفردة لكلية الشريعة بفاس بين باقي الكليات بالمغرب، حيث أنها نوعت عروضها البيداغوجية خصوصا في أسلاك الماستر كسلك المذهب المالكي بين التأصيل والتنزيل وسلك المالية الإسلامية والوساطة الأسرية والإجتماعية وسلك قضاء الأسرة والديبلوماسية الدينية وكذا مسلك الشريعة والقانون على مستوى الإجازة.
وأكد الدكتور عبد المالك عويش بأن كليته قادرة على احتضان مشاريع علمية بتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المعاملات غير الربحية والحج والزكاة والصلح....
الوزير المحاضر الدكتور أحمد التوفيق إستهل كلمته بالشكر الخاص لجامعة سيدي محمد بن عبد الله رئاسة وعمداء وأساتذة وطلبة على حفاوة الإستقبال، وأعرب عن عظيم امتنانه للحضور النوعي والمميز للمسؤولين كل باسمه وصفته، قبل أن يتناول بالدرس والتحليل موضوع مداخلته التي افترض فيها بأن المؤرخ قادر على إفادة علوم أخرى، وبأن سوق كلام في التاريخ يمكن أن يفيد العلوم الشرعية.
وفي هذا الصدد، حاول الدكتور أحمد التوفيق فك الغموض الذي صاحب روايات دخول الإسلام إلى المغرب الأقصى مع عقبة ابن نافع الذي تمكن من التجوال عبر الفضاءات التي تقلب فيها من صحاري وسهول وجبال ليس بالإستناد إلى قدرات عسكرية هائلة بل ساهمت فيها بشكل بارز دينامية علاقة التضاد في المواقع والمصالح والتناقض في المواقف بين قبائل السهل حيث الكلأ والمرعى الخصب وقبائل الجبل المحرومة منه والطامعة في التوسع والمتحمسة لإيديولوجية الموحدين المؤدية إليه.
وهكذا يكون التناقض الإجتماعي الداخلي عاملا أساسيا مكن أيضا من الإنتشار السريع للإسلام في بلاد فارس حيث كانت البلاد وقتها تتكون من تركيبة طبقية منغلقة، حيث ساهم التذمر الإجتماعي للطبقات الدنيا والوسطى من الإنفصال عن النظام القائم وقتها والإرتماء في أحضان الدعوة الجديدة وعدم مقاومتها تشوقا للمبادئ التي رفعها الإسلام.
وهي نفس الخلفيات الإجتماعية التي حدثت في الأندلس وجعلت الضابط رودريك ينقلب على الملك فتتهيأ بذلك الظروف لاستقبال الفتح الإسلامي ودخول سكان الأندلس فيه بمعاملات مختلفة.
وانتقل الوزير المحاضر الدكتور أحمد التوفيق إلى إعطاء أمثلة من القرآن الكريم على ما أسماها بالخلفيات الإجتماعية لاستقبال الفتح الإسلامي بدعوات الأنبياء وكيف أن هؤلاء وأقوامهم كانوا على موقعين متناقضين من الدعوة: مسارعون هم من الدرك الإجتماعي الأدنى ومعاندون مستكبرون من ذوي القوة والمال والجاه. ليخلص الدكتور أحمد التوفيق إلى أن انحياز المستضعفين للدعوات الدينية عند ظهورها دليل على أن هاته الدعوات هي التي أسست لحركات الإنعتاق الإجتماعي التي هي من صميم الحركات في البناء الأخلاقي للإنسانية.
وتابع المحاضر بأن الإطار النظري الذي وضعه الإسلام لاستدامة هاته الحركة يتمحور في أربعة مفاهيم تجمع بين البعدين النظري والعلمي وهي: مفهوم السنة ومفهوم العاقبة ومفهوم التدافع ومفهوم الفلاح.
وتوقف الدكتور أحمد التوفيق مطولا عند شرح الفخر الرازي لقوله تعالى في سورة النساء:" يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم" قائلا :
" إن الشرائع والتكاليف وإن كانت مختلفة في نفسها إلا أنها متفقة في باب المصالح" .
ومن يتأمل قول الرازي هذا، يضيف الدكتور أحمد التوفيق، " يستغرب من الرفض الذي تواجه به إلى وقتنا هذا الكثير من الآليات التي سبق إلى وضغها آخرون وتخدم الصالح عامة ومنها مصلحة المسلمين مالم يبتكروا بديلا عنها".
لينتقل بعدها المحاضر إلى التفصيل في مفاهيم العاقبة والتدافع والفلاح موردا الأمثلة التوضيحية لكل مفهوم على حدة.
إن الأبعاد الإجتماعية في الإسلام، يقول الدكتور محمد التوفيق، مؤسسة بقيم وهي تدخل في المعاملات وقد يضر إلباسها لبوس العقائد مضمونا وشكلا، حيث يضر بالسياسة التي لها أسلوبها السلمي في التفاوض لمن يريد الإصلاح ويسعى إليه.
كما ذكر المحاضر بصنفي الخلفيات الإجتماعية للوقائع في تاريخ الإسلام: صنف الإنصاف الذي بدأ مع النبوة وصنف ثان جاء من بعد للتحايل من الجانب الآخر على القيم للحفاظ على المصالح الخاصة من خلال تأويل النصوص او تعطيلها وتحويل الأشكال الإجتماعية إلى خلافات أغلبها لفظي عقيم يؤدي في أغلب الحالات إلى الغلو والتطرف.
لقد سعى الوزير الدكتور أحمد التوفيق من خلال هذا الدرس إلى إبراز الخلفيات الإجتماعية للوقائع عبر التأكيد على أن السنن التي تحكمها لايجوز إغفالها بإقحام التوكل والغيب فيما ينبغي أن يكون فيه السعي والإحتساب.
ومن هذا المنظور، فلايجوز للمسلمين، يضيف المحاضر، أن يتصوروا تاريخهم القادم خارج الديمقراطية حتى ولو هبت رياح على الديمقراطية تضعف منها في عقرها التاريخي، ولكن الديمقراطية إن تعززت، يؤكد الدكتور أحمد التوفيق، تنتظر من الإسلام تبنيا صادقا دون تقية على أساس الحكمة التي عبر عنها الفخر الرازي. ولكنها تنتظر منهم على الخصوص تخليقا مستمدا من الدين يحررها من ظرفيات تحكم السوق ويجعلها تدافعا سلميا ضروريا حتى لايكون في الأرض فساد.
فالديمقراطية بأخلاق الإسلام، يختم الدكتور أحمد التوفيق، هي الأمل في تدبير القضايا العويصة والمستدامة: قضية العدل والتضامن وقضية الحرية.
وفي اختتام هذا الدرس الإفتتاحي، رفع الحاضرون أكف الضراعة للدعاء لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.