FR AR
شارك على :

البكالوريا ...التي نريد.../ بقلم ذ : إبراهيم أونبارك

نشرت جريدة لوفيغارو le FIGARO  الفرنسية مقالا سنة 2018 بقلم Alice Develey عن موضوع معنون بـ: من أين جاء مصطلح البكالوريا؟ وقد استند الكاتب في تحريره للمقال على  عبارات تحمل من القلق الفكري المرتبط بالبكالوريا ما يكفي، من خلال ما انتاب كاتب آخر، وفي الجريدة المرموقة ذاتها، وهو ما دوَّنه موريس تورنيي Maurce Tournie  اللغوي المحنك الذي يثقن  قراءة اللغة من خلال السياسة والسياسة من خلال اللغة فقال: "البكالوريا، ذاك الوحش الديبلوماسي الرهيب".

قد لا نتوافق مع هذا الوصف، وقد ننتقده أو نلغيه حتى، لكنه يضعنا أمام الحديث عن البكالوريا من زاوية تتجاوز كل الأبعاد التربوية والبيداغوجية والديداكتيكية والتقويمية، لنكون وجها لوجه أمام وضعية نفسية واجتماعية وثقافية تنم عن طريقة نظرتنا إلى عتبات النجاح والفشل، إلى نتائج العمل ومآلاته، إلى سيرورة مجهود مشترك سيؤدي ثمن نجاحه أحدنا دون الآخر. و المتعلم بمفرده غالبا أمام تحد اسمه " فوبيا البكالوريا".

ففي التجربة المغربية، لا يكاد أي بيت يخلوا من عيش التجربة، إذ لا توجد أسرة لا تمتلك تمثلا représentation  ما حول "البكالوريا"، سواء عاشتها وتعايشتها بين كنافها أو من خلال أسرها وعائلاتها الممتدة، اختبار البكالوريا محنة شقة تراكمت تخوم معاناتها مع امتداد مفهوم "الامتحان" منذ السنوات الأولى للمتعلم. إذ تتجند حول بناء صورة  هذا الامتحان أطراف عدة، أساتذة وأستاذات، أباء وأولياء، وثائق إدارية وتربوية... تضع مصير أبنائنا أمام رهان الفهم الفعلي للامتحان، والفهم الفعلي طبعا هو ذاته الذي يسكن مخيلة الذين اجتازوا التجربة نفسها. سواء أكانت سلبية أو إيجابية.

والأدهى والأمر، هذا الانخراط الغريب، والذي يكتسي بعدا لا يطاق، عنوانه الوعد والوعيد والتخويف المستمر منذ بداية السنة إلى نهايتها، خصوصا في السنوات التي تتميز باختبارات إشهاديه، إذ رأينا تلاميذ وتلميذات توقفوا عن الدراسة بسبب ضغوطات نفسية تحولت إلى أمراض نفسية تعذر معها الاستمرار في الحضور إلى الفصل الدراسي، ورأينا أباء يكابدون ويلات ردود فعل مفاجئة من فلذات كبدهم جراء الثقل الذي ألقوه كلمات وتهديدات بأن النجاح في البكالوريا مصير حتمي، وأن الضعف في النقط هو ضعف في مستقبل لا يمكن الحسم في مآلاته.

لا نريد للبكالوريا أن تكون عنوان مأساة أو مبرر من مبررات من يرى الجزء الفارغ من كأس مجهوداتنا المشتركة كأسر ومؤسسات مدرسية وأطر إدارية وتربوية، نريد للبكالوريا أن تكون مدخلا لتقوية حس المسؤولية والقدرة على مجابهة الحياة كامتحان، وليس كمعاناة تتجدد. نريد للأسر أن تكون فضاء للحوار الذي يحتضن المتعلم (ة) بنواقصه ومكامن قوته وضعفه، ونريد من المدرسة أن تراهن على  بناء الذات، ليس عن طريق الامتحان/التخويف، ولكن عن طريق استهداف كفايات قابلة لتزويد أبنائنا وبناتنا بما يجعلهم في قدرة ممكنة للإقبال على الحياة.

لا نريد من البكالوريا أن تكون رصدا لنماذج من أطفال أضحى الغش والبحث عن وسائل تمكنهم إلى الحصول على المعلومة الصالحة والطالحة،لأن المدرسة تزخر بطاقات وتلاميذ وتلميذات لا يمكنك حينما تناقشهم إلا أن تفتخر بمن درَّسهم على طول مشوارهم الدراسي، كما تفتخر بأسرهم التي تمكنت من بناء متعلم يخالف تماما تلك الصورة التي أرهقتنا وللأسف تجد طريقها إلى وسائل إعلام ترغب في تسويق ما لا يسوَّق.

نريد بكالوريا تعيد بناء آليات التقويم التي تضع المتعلم أمام وضعيات اختبارية يبدع فيها من مخيلته وقدراته المكتسبة وعبر فتح آفاقا للابتكار بدل التنميط، نريد بكالوريا تراهن على أن يضع المتعلم أسئلته بدل أن يلهث وراء أجوبة جاهزة، يبتغي الوصول إليها بشتى الوسائل والطرق.

نريد بكالوريا تحافظ على مستوى المدرسة الوطنية التي تواكب المعارف العالمية وتستمد قوتها من تجربة تراكمية أنجزنها جميعا، وامتلاك الجرأة للاعتراف بنواقصها والسعي نحو القول: هذا يصلح للاستمرار وهذا الوضع لابد من تغييره. التفكير في البكالوريا كرهان تعلمي يمكن أن يكون لحظة لتقويم وتقييم، ليس المدرسة فقط، بل أيضا مدخلا للاقتراب أكثر من أبعادها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تحتاج في الكثير من جنباتها إلى إعادة ترتيب، حتى نحقق رهان "مغرب الغد" الذي نتوخاه جميعا.

Partager sur :